تاريخ الذكاء الاصطناعي: كيف تطور الذكاء الاصطناعي بمرور الوقت
بعد ظهور منتجات عديدة في الآونة الأخيرة مبنية على الذكاء الصناعي كبرنامج التحدث ChatGTP زاد الحديث حول القدرات الخفية للآلة، والمخاوف التي قد تهدد البشرية مستقبلا. فمن مجرد تخيلات و أساطير إغريقية صرنا نرى اليوم محاولة دمج الآلة في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية كالعمل مثلا أو لنقل ميدان الطب حتى!
فما هو الذكاء الصناعي؟ من أين ومتى بدأت جذوره بالرسوخ في التاريخ؟ ما الذي سيتغير في حياتنا؟ وما الذي سيبقى مجرد أحداث في فيلم خيال علمي؟
أصول الذكاء الاصطناعي:
يمكن القول أن جذور الذكاء الصناعي ضاربة في التاريخ الى العصور والحضارات القديمة كالحضارة الإغريقية مع أمثلة عديدة كتطوير بعض الآلات الميكانيكية لتقوم ببعض المهام اليدوية. لكن الذكاء الاصطناعي بمفهومه اليوم لم يظهر إلا حديثا مع ظهور الحواسيب في منتصف القرن العشرين ومع التقدم الكبير في علوم الرياضيات البحتة والتطبيقية.
ظهر عند الإغريق العديد من القصص والأساطير حول كائنات اصطناعية تتصرف كالبشر. طالوس (بالإنجليزية: Talos) على سبيل المثال هو أسطورة يونانية قديمة حول رجل من النحاس صنع لحماية أميرة تسمى أوروبا في جزيرة كريت -أكبر جزيرة حاليا في اليونان- حيث كان يتجول طالوس 3 مرات يوميا في شواطئ الجزيرة لردع القراصنة من اختطاف الأميرة. لكن الأمر لم يقتصر فقط على الحضارة الإغريقية ففي الصين القديمة، انتشرت الأساطير حول حيوانات ميكانيكية تعقل كالحيوان وتؤدي بعض المهام البسيطة.
لكن لا الخرافات دامت طويلا ولاحتى الخيال فقد بدأت تظهر بوادر الآلية باكرا في حضارة الإغريق بعد اختراعهم للأنتيكيثيرا (بالإنجليزية: Antikythera). تعتبر آلية أنتيكيثيرا أول قطعة ميكانكية في التاريخ تؤدي مهاما تعتبر اليوم مجالا من مجالات الذكاء الآلي. كانت هذه القطعة عبارة عن آلة للحساب الفلكي والتنبؤ الدقيق بمواقع الأجرام والنجوم.
في العصور الوسطى، كان هناك تقدم كبير في هذا المجال، مثل استخدام الساعات المائية في بلاد فارس والهند القديمة. لكن لاحقا وفي عصر النهضة، تطور هذا المجال بشكل أسرع فظهرت العديد من الأمثلة للآلة كالإنسان الآلي الذي صنعه ليوناردو دافنشي في أواخر القرن الخامس عشر المعروف باسم “الفارس الآلي”. صحيح أن الأمثلة التي ذكرناها سابقا لم تكن أمثلة أو لنقل تعريفا دقيقا للذكاء الاصطناعي، إلا أنه لايخفى على أحد أن هذه الابتكارات أرست الأسس لتطوير آلات أكثر تقدمًا في العصور القادمة.
التطورات المبكرة في الذكاء الاصطناعي:
كما قلنا سابقا فإن مفهوم الذكاء الصناعي لم يظهر إلا حديثا، وقد ظهر أول مرة على يد العالم الأمريكي جون مكارثي سنة 1955 ومنذ ذلك الحين أصبح يطلق على كل الآلات التي تبدي سلوكا ذكيا من تلقاء نفسها. لم تتوقف إنجازات الأب الروحي للذكاء الصناعي عند هذا الحد ففي عام 1956 نظم فعالية تسمى بفعالية ورشة دارتموث التي تعتبر اليوم بمثابة مكان الميلاد للذكاء الصناعي وكانت عبارة عن ورشة لتبادل الأفكار بين العلماء الذين تم دعوتهم، وبعدها في عام 1958 قام بتطوير لغة البرمجة Lisp التي أصبحت أكثر لغة مستعملة في البحوثات.
تم خلال ورشة دارموث الإعلان عن أول برنامج يعرف اليوم من طرف الكثيرين على أنه أول برنامج للذكاء الصناعي الذي تم تطويره من قبل ألن نيويل و هيربرت سيمون. تم تصميم البرنامج الذي كان يعرف ب Logic Theorist للقيام بإثبات النظريات الرياضية التي كانت تتطلب العبقرية والإبداع البشري من قبل.
في عام 1957، قدم عالم النفس الأمريكي فرانك روزنبلات مفهوم بيرسيبترون (بالإنجليزية: Perceptron) إلى العالم. يعتبر البيرسيبترون أول نموذج رقمي يحاكي العصبونات وهو عبارة عن نموذج يتكون من طبقة واحدة من الخلايا العصبية المترابطة التي يمكنها التعلم من البيانات التي يتم تغذيتها به. بعدها قام بتحدي شبكة البيرسيبترون لتصنيف صور النساء والرجال ظنا منه أنه ومع الوقت ستتعلم الشبكة الأنماط التي تجعل الرجال رجالا والنساء نساء. لاقت الفكرة استحسان الكثير من المختصين في المجال وقد قامت جريدة النيويورك تايمز بكتابة مقال عليه سنة 1958 تحت عنوان “جهاز البحرية الجديدة الذي يتعلم من تلقاء نفسه”. لكن ومع الأسف فشلت الفكرة بشكل ذريع أساسا لتكون الشبكة من طبقة واحدة فقط من جهة، ومن جهة أخرى ضعف الحواسيب آنذاك.
بعد الفشل الذريع للبيرسيبترون ومع سنة 1969 تم التخلي عن الفكرة وبذلك استسلم الكثيرون من هذا المجال. إلا أنه و بعد سنين قام العالم الكندي جيوفري هينتون بالعمل على تطوير فكرة سابقه وهذه المرة ومع دراسته للدماغ البشري فإنه وبدل طبقة واحدة من العصبونات فإنه قام بتقديم شبكة متكاملة مع عدة طبقات لمعالجة البيانات يتم الإشارة إليه اليوم بالشبكة العصبونية العميقة. وبشكل مختصر فإن الفكرة تتمثل في وجود عقد و لنقل دوائر متصلة بينها بأسهم ولنقل أن كل سهم لديه قيمة تمثل قوة الإتصال بين دائرتين وعليه في مرحلة المعالجة تستخدم تلك الأرقام في إعطاء مخرج محدد حسب ماصممت له الشبكة وكلما زادت عدد طبقات المعالجة تحسن أداء الشبكة أكثر وأكثر وهذا مايحاكي كيفية عمل دماغ الانسان. ركز بحث هينتون على تطوير خوارزميات ونماذج جديدة للشبكات العصبية التي يمكنها تعلم إيجاد الأنماط المعقدة في البيانات، مثل الصور والنصوص واللغة. عرف هينتون أيضا بعمله مع يان ليكون على تقنية تسمى الانتشار الخلفي (Backpropagation)، وهي خوارزمية تسمح للشبكة بالتعلم من أخطائها. يسمح Backpropagation للشبكات العصبية بضبط اتصالاتها وأوزانها استجابة للأخطاء الواردة من البيانات، مما يسمح لها بالتعرف على الأنماط وتصنيفها بشكل أفضل. تم تبني الفكرة على نطاق واسع وصرنا نرى استخدام الذكاء الصناعي يتوسع في الثمانينات بعد إستعماله في مجال التحاليل المالية وتوقع سوق الأسهم وحتى للأرصاد الجوية.
لكن للأسف ومع كل الإنجازات العظيمة التي تم تحقيقها في مجال الذكاء الصناعي، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة تلبي التوقعات، ودخل هذا المجال في عصر جديد سمي من قبل الكثيرين ب “شتاء الذكاء الصناعي” (بالإنجليزية: AI Winter )الذي استمر من التسعينيات حتى الألفية الجديدة.
لعل من بين أحد الأسباب التي أدت لهذا النزول هو عدم تلبية الذكاء الصناعي للتوقعات التي تم وضعها من قبل. كثير من الأهداف التي تم تسطيرها لهذا المجال، كتطوير روبوتات ذكية يمكنها التواصل مع العالم الخارجي فشلت فشلا ذريعا لما واجهته من صعوبات. بالإضافة إلى ذلك، فالقوة الحاسوبية كانت محدودة جدا ذلك الوقت سواء من ناحية سرعة المعالجة أو سعة التخزين، مما صعب تطوير نظم ذكاء صناعي جديدة لتقوم بتلبية مطالب أكثر تعقيدا.
بعد كل ماسبق، رأت الحكومات، رجال الأعمال والمستثمرون عدم جدوى الاستثمار في البحوثات مما أدى إلى نقص كبير في الميزانية الموجهة لتطوير المجال وهذا بدوره سبب تقدما بطيئا جدا في هذا المجال.
لكن الشتاء لم يدم طويلا، ففي بداية الألفية الجديدة ومع الصعود القوي للقوة الحاسوبية ومع ظهور الانترنت التي سهلت عملية الحصول على البيانات الضخمة (بالإنجليزية: Big Data) تجدد الاهتمام بالذكاء الصناعي وتدفقت الاستثمارات والأموال لتمويل الأبحاث من جديد.
الذكاء الاصطناعي الحديث:
بعد فترة التخبط التي عانى منه مجال الذكاء الاصطناعي وبحوثاته في التسعينيات، نجد أن الاهتمام تجدد وقواعد اللعبة تغيرت في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، مع ظهور تقنيات جديدة وتطور القديمة منها مثل التعلم العميق وكذلك توفر كميات كبيرة من البيانات بفضل توسع الأنترنت. سمحت هذه التطورات لباحثي الذكاء الاصطناعي ببناء نماذج أكثر تعقيدًا يمكنها التعرف على الأنماط وإجراء تنبؤات بدقة أكبر.
ظهور تقنيات التعلم العميق:
كان ظهور التعلم العميق (بالإنجليزية: Deep Learning) أحد أهم التغيرات في مجال الذكاء الصناعي. يركز هذا المجال على إيجاد خوارزميات جديدة تتيح القدرة للآلة على التعلم من تلقاء نفسها عن طريق محاكاة الدماغ البشري ويعتبر اليوم فرعا من فروع تعلم الآلة (بالإنجليزية: Machine Learning) والذي يعتبر مجالا أوسع من طرف الكثيرين. يهدف هذا المجال أساسا إلى تحسين قدرات الآلة على إيجاد الأنماط بدقة عالية عن طريق إطعام شبكاته بكمية كبيرة من البيانات ليتم معالجتها والتعلم منها وبشكل مفاجئ حققت هذه التقنيات نجاحا باهرا في معالجة اللغة الطبيعية و تحسين أنظمة رؤية الكمبيوتر.
معنى معالجة اللغة الطبيعية:
شهدت معالجة اللغة الطبيعية (بالإنجليزية: Natural language processing ويشار إليها إختصارا ب NPL) تقدما كبيرا مثل ماشهده التعلم العميق في السنين الأخيرة. يتم التركيز في هذا المجال على التفاعل بين البشر وأجهزة الكمبيوتر حيث يتم تدريب الآلة فيها على فهم اللغة الطبيعية واستخدامها في التفاعل مع البشر.
يعتمد هذا المجال بالتحديد على النماذج الإحصائية اللغوية التي يتم فيها معالجة كميات كبيرة من الكلمات لاستخراج الأنماط التي تكمن في اللغة، مما يمكننا من بناء أنظمة قادرة على فهم المشاعر، الإستجابة للغة وحتى الترجمة. والملاحظ اليوم هو استعمال هذه التقنيات بكثرة مثل المساعد الصوتي للهواتف كمساعد غوغل (Google Assistant)، سيري (Siri) ألكسا (Alexa) وكثير من التطبيقات الأخرى.
ماهي أنظمة رؤية الكمبيوتر؟
من الطبيعي أن يسعى العلماء إلى محاولة تعليم الآلة على فهم الصور والبيانات المرئية بعد محاولتهم لتعليمها الكلمات والبيانات النصية وهنا ظهر مفهوم أنظمة رؤية الكمبيوتر، يجدر التنويه هنا إلى أن كل ما تحدثنا عليه سابقا كان موجودا قبل بداية 2000 لكن لم يشهد نجاحا كبيرا إلا بعد الموجة الكبيرة التي حدثت بعد شتاء الذكاء الصناعي.
على سبيل المثال لقي برنامج AlexNet المبني على قاعدة بيانات صورية عملاقة تسمى ImageNet إعجابا واسعا سنة 2012، حيث تفوق هذا البرنامج على قدرة الدماغ البشري على تعريف الأشياء بدقة عالية. كان لهذا الإنجاز الذي حققه فريق أليكس كريجفسكي (بالإنجليزية: Alex Krizhevsky) صدى كبير في جميع أنحاء العالم أدى إلى إلتفات الأنظار إلى الذكاء الصناعي وإظهار قدراته الكامنة.
بعض التقنيات الأخرى التي ظهرت كذلك:
بالإضافة إلى ماتم ذكره سابقا، شهدت تقنيات أخرى مثل التعلم المعزز (بالإنجليزية: Reinforcement Learning) والتعلم غير مراقب (بالإنجليزية: Unsupervised Learning) أيضًا تطورات كبيرة خلال هذه الفترة. التعلم المعزز هو شكل من أشكال التعلم الآلي حيث تتعلم الآلة من خلال التفاعل مع البيئة التي وضعت فيها وتلقي المكافآت أو العقوبات.
التعلم غير مراقب بإختصار هو تعليم الآلة باستخدام بيانات غير مصنفة لإستخراج الأنماط التي بينها فمثلا لنقل أن هناك الكثير من صور القطط وصور الكلاب، فإننا لانعطي أي تلميح للآلة عن محتوى الصور لكنها ستتمكن من تلقاء نفسها بتصنيف الصور لصور قطط وصور كلاب.
يمنك قراءة المزيد من هنا.